الكوكايين مادة منشطة قوية ومسببة للإدمان، تُستخرج من أوراق نبات الكوكا. على الرغم من استخدامه تاريخيًا في بعض الأغراض الطبية، إلا أنه يُعد اليوم من المخدرات غير القانونية واسعة الانتشار. يُحدث الكوكايين تأثيرات سريعة وقوية على الجهاز العصبي المركزي، وله مخاطر صحية واجتماعية متعددة.
فهم الكوكايين
يُعد الكوكايين قلويدًا بلوريًا أبيض يُستخلص من أوراق نبات الكوكا، الذي ينمو بشكل أساسي في أمريكا الجنوبية، خاصة في بوليفيا وبيرو. يتوفر الكوكايين بأشكال متعددة، أبرزها المسحوق الأبيض الناعم والبلوري، والذي يُعرف غالبًا باسم “كوك” أو “ثلج”. يُخلط هذا المسحوق أحيانًا بمواد أخرى لزيادة كميته أو تعديل تأثيره، مثل نشا الذرة أو التلك أو السكر أو حتى منشطات أخرى كالأمفيتامينات.
شكل آخر شائع هو “الكراك” أو “الصخرة”، وهو عبارة عن كتل صلبة أو بلورات صخرية تُنتج بمعالجة مسحوق الكوكايين. يُطلق عليه هذا الاسم بسبب الصوت “الفرقعة” الذي يصدر عند تسخينه. تختلف طرق تعاطي الكوكايين حسب شكله، فالمسحوق غالبًا ما يُستنشق عبر الأنف (“سنايف”) أو يُفرك على اللثة. يمكن أيضًا إذابة المسحوق في الماء وحقنه في الدم، وهي طريقة تزيد من سرعة وشدة التأثير. أما الكراك، فيُدخن عادةً بعد تسخينه لإنتاج أبخرة تُستنشق عبر الرئتين.
التأثير الفوري على الجسم
بعد تعاطي الكوكايين، تظهر تأثيراته الفورية على الجسم والعقل بسرعة، وتستمر من 5 إلى 30 دقيقة حسب طريقة التعاطي. يزيد الكوكايين من مستويات الدوبامين، وهو ناقل عصبي يتحكم في المتعة والحركة والمكافأة. يعمل الكوكايين بمنع إعادة امتصاص الدوبامين في الخلايا العصبية، مما يؤدي لتراكمه في المشابك العصبية ويعزز الشعور بالنشوة.
تتضمن التأثيرات الفسيولوجية الفورية زيادة في معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع درجة حرارة الجسم. يشعر المتعاطي باليقظة الشديدة، وزيادة في الطاقة، وفرط الحساسية للمنبهات البصرية والسمعية واللمسية. على الصعيد النفسي، غالبًا ما يُبلغ عن شعور بالسعادة المفرطة (النشوة) وزيادة في الثقة بالنفس والطاقة. ومع ذلك، يمكن أن تظهر أيضًا تأثيرات نفسية سلبية مثل التهيج، والقلق، وجنون العظمة، والشك تجاه الآخرين.
المضاعفات الصحية والجرعة الزائدة
يُسبب تعاطي الكوكايين مضاعفات صحية خطيرة، سواء على المدى القصير أو الطويل. تُعد مشاكل القلب والأوعية الدموية من أخطر هذه المضاعفات، حيث يمكن أن يؤدي الكوكايين إلى ارتفاع ضغط الدم وتضييق الأوعية الدموية وزيادة معدل ضربات القلب، مما يزيد من خطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية واضطرابات نظم القلب. كما يمكن أن يؤثر الكوكايين سلبًا على الجهاز التنفسي، مسببًا صعوبة في التنفس، وألمًا في الصدر، وتلفًا في الرئة، والتهابات في الجهاز التنفسي، خاصةً عند تدخينه.
تتضمن المضاعفات العصبية حدوث نوبات صرع، ونزيف في الدماغ، وضعفًا في الذاكرة والانتباه. قد يتسبب الكوكايين أيضًا في مشاكل في الجهاز الهضمي، مثل آلام البطن ومشكلات في الأمعاء نتيجة لانخفاض تدفق الدم إليها. تُعد الجرعة الزائدة من الكوكايين حالة طبية طارئة ومهددة للحياة، وتشمل أعراضها زيادة مفرطة في ضربات القلب، وسرعة في التنفس، وهلوسة سمعية وبصرية، وارتعاش في الأطراف، وغثيان وقيء. يمكن أن تؤدي الجرعة الزائدة إلى ارتفاع شديد في درجة حرارة الجسم، وذهان، واضطراب في الوعي، وقد تصل إلى السكتة القلبية والوفاة المفاجئة، مما يستدعي تدخلًا طبيًا فوريًا.
تطور الاعتماد وطلب المساعدة
يؤدي الاستخدام المتكرر للكوكايين إلى تطور الاعتماد النفسي والجسدي، حيث يتكيف الدماغ مع الكميات الزائدة من الدوبامين، مما يدفع الشخص للحاجة لجرعات أعلى للحصول على نفس التأثير. تظهر أعراض الانسحاب عند التوقف عن تعاطي الكوكايين، وقد تكون شديدة ومزعجة. تشمل أعراض الانسحاب الشائعة الاكتئاب، والتعب الشديد، وزيادة الشهية، والأحلام المزعجة، والقلق، والتهيج، والرغبة الشديدة في تعاطي المخدر مرة أخرى.
يُعد إدمان الكوكايين مرضًا دماغيًا مزمنًا يتطلب علاجًا متخصصًا. على الرغم من عدم وجود دواء محدد لعلاج إدمان الكوكايين حاليًا، إلا أن العلاج يركز بشكل أساسي على التدخلات السلوكية والنفسية. تشمل الأساليب العلاجية الفعالة العلاج السلوكي المعرفي، الذي يساعد المرضى على تحديد المواقف التي قد تؤدي إلى الانتكاس وتطوير مهارات التأقلم. تلعب مجموعات الدعم والمجتمعات العلاجية دورًا مهمًا في توفير بيئة خالية من المخدرات ودعم الأقران. يمكن أن يشمل العلاج أيضًا الإشراف الطبي أثناء فترة سحب السموم للتعامل مع الأعراض الانسحابية، وقد تُستخدم بعض الأدوية للتخفيف من القلق أو الاكتئاب المصاحب.